أولا : عادة المثار ( الثأر ) ...



        هذه العادة هي أولى حلقات العادات والأحكام القبَليّة في دماء المسلمين ...
     وهي البند الأول في قانون الدماء ، وهي قدح الشرارة في مسلسل هذا القانون .

والمثار هو سعي قرابة المجني عليه أو المعنيّين به ، وبتأييد من كبار القوم لجلي العار وأخذ الثأر من قرابة الجاني ، ومن أي فرد منهم !!

وهذا نتيجة لما صوّره لهم إبليس وأغواهم به ... تحت مسمى جلي العار وأخذ الثار لدمائهم أو لوجوههم ، ويشعر بذلك البعيد منهم قبل القريب !!

ولهذا المثار أنواع متعددة ، لكل منها مدلوله ، منها :

- مثار القريب ، ومثار العاني ، ومثار الخويّ ، ومثار الجار ، ومثار الضيف : وهو أخذ الرجل وقرابته بالثأر لقريبه أو عانيه (خاله )، أو خويّه، أو جاره ، أو ضيفه ، عند الاعتداء على أحد منهم ... فيثأرون لهم بالاعتداء على رجل من قرابة الجاني !!

- مثار الوجه : هو أخذ القبيلة المجوّرة بالثأر من قرابة المعتدي على أحد أفراد القبيلة المستجيرة بها ، ويسمونه أيضا : مثار الجيرة .
ومن مثار الوجه :  أخذ القبيل بثأره من قرابته ، إذا اعتدى أحد منهم على أحد قرابة الجاني بعد قبوله قبيلا على قرابته في الحكم القبَلي ، ويسمى أيضا مثار القبالة .

- المثار الأبيض والمثار الأسود : إذا وقعت المثارات السابقة قبل استجارة الجاني و قرابته بقبيلة مجوّرة ، فيسمونه المثار الأبيض .
أما إذا وقعت تلك المثارات بعد استجارة الجاني و قرابته بقبيلة مجوّرة، أو بعد تحديد القبيل في الحكم القبَليّ فيسمونه المثار الأسود .

- مثار الدم ومثار الدسم : إذا وقعت المثارات السابقة بإراقة دماء الجاني و قرابته ، فيسمونه مثار دم .
أما إذا تمت تلك المثارات بقبول مال من خلال حكم قبَليّ ، فيسمونه مثار دسم .

وهي مسمّيات اتفقت على إشعال نار الحميّة الجاهلية في النفوس ، وتهديد وإراقة الدماء المعصومة !! إشباعا لداعي الجاهلية المقيت ... فأعرضوا بذلك عن أحكام الشريعة في مثل هذا المواقف ... التي لا يسع المسلم غيرها .

وتتسلسل عادة المثار من خلال أعمالها التالية :

- إذا اعتدى أحد على أحد أفراد القبيلة أو على أحد المعنيّين بها ، فان ثائرة القبيلة كلها تثور ، حيث تشعر القبيلة وليس الفرد أن شرفها قد امتُهن ، وأن جنابها قد ذل !! فتتحول القضية من قضية أفراد إلى قضية قبائل .

- تهُبّ قرابة المجني عليه ، وبتأييد وتشجيع أفراد القبيلة بأخذ الثأر !! وجلي العار !! فتسعى قرابة المجني عليه بأخذ الثأر من أي فرد من أفراد قرابة الجاني ، وبغض النظر عن مشاركته أو حتى علمه بحادثة الاعتداء أو عدم علمه بها ، فلا فرق بين الجاني وقرابته !!!

وإنك لتعجب أشد العجب ... كيف أذعن هؤلاء لمثل هذه الأفكار الغريبة على الإسلام وأحكامه ، فضلا عن العقول الصحيحة وهدايتها !!

وانك لتعجب من شديد إنكارهم على من ينكر هذه العادة !! وتسفيههم له بأنه لا يعرف شيئا !! وأن هذه عادات وسلوم لا يمكن التخلي عنها بأي حال من الأحوال ...

كما أنك تستغرب من دفاع بعض مشايخ القبائل ووجهاء الناس عن هذه العادة ، ومن تأكيدهم على ضرورة التزامها وعدم التفريط فيها !!

وانك لتحزن ويتفطر قلبك ، عندما تسمع الحث والتشجيع على هذا الفعل المشين ، والتعيير لمن لم يأخذ بثأره ، والمساعدة والدعم للمجني عليه وقرابته بأن يأخذوا ثأرهم ويجلوا عارهم، ومن لم يفعل فانه ناقص الرجولة ... ويُقصر عنه الفنجال !!

فهل هذا من شريعة الإسلام أم من شريعة الجاهلية ؟!  تلك الجاهلية التي تركتها قبائل الجزيرة قاطبة، ولا زالت تخيم بشؤمها على قلة قليلة من تلك القبائل !! 

والحقيقة أن هذه العادة قد نقضت حكم الشريعة في حرمة دماء المسلمين ، واستخفت بهذه الدماء المصونة شرعا واستهانت بها !!  فأصبحت صورة مروّعة من صور ترويع الآمنين وتهديد المسلمين ...

فقد يراق دم المسلم وتهدد حياته بلا ذنب جناه !!  إلا أنه ممن يتنمي الى هذه القبيلة أو ينتسب الى تلك القبيلة !!

والجدير بالمؤمن الذي خالطت بشاشة الإيمان قلبه أن يبرأ إلى الله U من هذه العادة ... فلا يمتثل لها ، ولا يعمل بها ، بل ينكرها وينكر على من يلتزم بها ولو كانوا أولي قربى ، وينكر على من يؤجج نارها في قلوب الآخرين ، ويذكّرهم بإيمانهم الذي زينهم الله به ، وأنها عادة لا تليق بهم ولا بملّتهم !! وأنها ملة جاهلية مكانها تحت الأقدام . 
========== 

فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء في حكم عادة المثار : 
        صدرت فتوى اللجنة الدائمة المبيّنة لحقيقة هذه العادة الشنيعة المستحكمة بين أهلها ، برقم 22479 وتاريخ 16/7/1423هـ  .

وكان السؤال :
                      " إنه عند حدوث اعتداء بين طرفين ، فان أسرة المجني عليه تسعى لأخذ الثأر من أحد أفراد أسرة الجاني ، حتى لو لم  يكن له علاقة بحادثة الاعتداء ، فما الحكم والتوجيه في ذلك ؟ "

وكان جواب اللجنة ما يلي :
                      " بعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت : بأن العادة المسئول عنها عادة محرمة تتعين محاربتها والإنكار على من يعمل بمقتضاها ، لان قتل غير القاتل أو الاعتداء عليه فيما دون النفس وان كان من اقرب أقربائه من عادات الجاهلية ، وهو من أشد أنواع الاعتداء ، ويقول الله ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) فاطر  ١٨ ، ويقول عليه الصلاة والسلام " إن أعتى الناس على الله ثلاثة ، من قَتل في حرم الله ، أو قَتل غير قاتله ، أو قَتل لذحل الجاهلية  " أ. هـ.
======= 

شبهة : أن المثار دفاع عن النفس والعرض والمال ( مدافعة الصائل ) :
       يردد بعض الناس أن الثأر من باب الدفاع عن النفس والعرض والمال الذي أجازه الإسلام !!
والحقيقة أن الثأر ليس من هذا الباب في شيء ، وإنما هو انتقام وجلي للعار كما يسميه أهله !! وليس من الدفاع عن النفس والعرض والمال...  ولا من مدافعة الصائل في شيء .
فإن الصائل إذا اعتدى ولم يرتدع من ساعته إلا بقتله أو جرحه ، فإن دمه هدر بحكم الشريعة الإسلامية العادلة ، ولا قصاص فيه ولا دية .
وأما لو قتله الصائل فإنه شهيد... فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " جاء رجل إلى النبي r ، فقال : يا رسول الله ، إن جاء رجل يريد أخذ مالي ؟ قال : فلا تعطه مالك ، قال : أرأيت إن قاتلني ؟ قال : قاتله ، قال :  أرأيت إن قتلني ؟  قال :  فأنت شهيد ، قال :  أرأيت إن قتلته ؟    قال : هو في النار " 
وقال r : " من قُتل دون ماله فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قتل دون دينه فهو شهيد ، ومن قتل دون أهله فهو شهيد "
قال ابن تيمية رحمه الله : السنّة والإجماع متفقان على أن الصائل المسلم إذا لم يندفع صوله إلا بالقتل قُتل ، فإن قتال المعتدين الصائلين ثابت بالسنة والإجماع .